فصل: فصل: (لا يمكنهم أن يثبتوا للمسيح فضيلة ولا نبوة ولا آية ولا معجزة إلا بإقرارهم أن محمدا رسول الله):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (نسخة منقحة)



.المثلثة خالفت أصول الأنبياء في تقديس الله ووصفه بصفات الكمال:

أحدها إن الله سبحانه وتعالى قديم واحد لا شريك له في ملكه ولا ند ولا ضد ولا وزير ولا مشير ولا ظهير ولا شافع إلا من بعد إذنه. الثالث أنه غنى بذاته فلا يأكل ولا يشرب ولا يحتاج إلى شيء مما يحتاج إليه خلقه بوجه من الوجوه. الرابع إنه لا يتغير ولا تعرض له الآفات من الهرم والمرض والسنة والنوم والنسيان والندم والخوف والهم والحزن ونحو ذلك. الخامس إنه لا يماثل شيئا من مخلوقاته بل ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
السادس أنه لا يحل في شيء من مخلوقاته ولا يحل في ذاته منها بل هو بائن عن خلقه بذاته والخلق بائنون عنه.
السابع أنه أعظم من كل شيء وأكبر من كل شيء وفوق كل شيء وعال على كل شيء وليس فوقه شيء البتة.
الثامن أنه قادر على كل شيء فلا يعجزه شيء يريده بل هو الفعال لما يريد. التاسع أنه عالم بكل شيء يعلم السر وأخفى ويعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون {وَما تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلا يَعلَمُها وَلا حَبَةٍ في ظُلُماتِ الأرض وَلا رَطبٍ وَلا يابِسٍ} ولا متحرك غلا وهو يعلمه على حقيقته العاشر أنه سميع بصير يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، فقد أحاط سمعه بجميع المسموعات، وبصره بجميع المبصرات، وعلمه بجميع المعلومات، وقدرته بجميع المقدورات، ونفذت مشيئته في جميع البريات، وعمت رحمته جميع المخلوقات، ووسع كرسيه الأرض والسموات. الحادي عشر أنه الشاهد الذي لا يغيب ولا يستخلف أحدا على تدبير ملكه ولا يحتاج إلى من يرفع إليه حوائج عباده أو يعاونه عليها أو يستعطفه عليهم ويسترحمه لهم. الثاني عشر أنه المتكلم الآمر الناهي قائل الحق وهادي السبيل ومرسل الرسل ومنزل الكتب والقائم على كل نفس بما كسبت من الخير والشر، ومجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. الرابع عشر أنه الصادق في وعده وخبره، فلا أصدق منه قيلا، ولا أصدق منه حديثا، وهو لا يخلف الميعاد. الخامس عشر أنه تعالى صمد بجميع الصمدية، فيستحيل عليه ما يناقض صمديته. السادس عشر أنه قدوس سلام، فهو المبرأ من كل عيب وآفة ونقص.
السابع عشر أنه الكامل الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه الثامن عشر أنه العدل الذي لا يجور ولا يظلم ولا يخاف عباده منه ظلما. فهذا مما اتفقت عليه جميع الكتب والرسل، وهو من المحكم الذي لا يجوز أن تأتي شريعة بخلافه ولا يخبر نبي بخلافه أصلا، فترك المثلثة عباد الصليب هذا كله، وتمسكوا بالمتشابهة من المعاني والمجمل من الألفاظ، وأقوال من ضلوا من قبل، وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل. وأصول المثلثة ومقالتهم في رب العالمين تخالف هذا كله أشد المخالفة وتباينه أعظم المباينة.

.فصل: لو لم يظهر محمد بن عبد الله لبطلت نبوة سائر الأنبياء:

.بنو إسرائيل قبل موسى وبعده:

في أنه لو لم يظهر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لبطلت نبوة سائر الأنبياء، فظهور نبوته تصديق لنبواتهم وشهادة لها بالصدق، فإرساله من آيات الأنبياء قبله، وقد أشار سبحانه إلى هذا المعنى بعينه في قوله {جاءَ بالحَقِ وَصَدَقَ المُرسَلين} فإن المرسلين بشروا به وأخبروا بمجيئه؛ فمجيئه هو نفس صدق خبرهم، فكأن مجيئه تصديقا لهم إذ هو تأويل ما أخبروا به، ولا تنافي بين هذا وبين القول الآخر: إن تصديقه المرسلين شهادته بصدقهم وإيمانه بهم فإنه صدقهم بقوله ومجيئه فشهد بصدقهم بنفس مجيئه، وشهد بصدقهم بقوله، ومثل هذا قول المسيح {وَمُصَدِقاً لِما بَينَ يَديهِ مِنَ التَوراةِ وَمُبَشِراً بِرَسولٍ يَأتي مِن بَعدي اسمُهُ أَحمَد} فإن التوراة لما بشرت به وبنبوته كان نفس ظهوره تصديقا لها، ثم بشر برسول يأتي من بعده فكان ظهور الرسول المبشر به تصديقا له، كما كان ظهوره تصديقا للتوراة فعادة الله في رسله أن السابق يبشر باللاحق، واللاحق يصدق السابق، فلو لم يظهر محمد بن عبد الله ولم يبعث لبطلت نبوة الأنبياء قبله، واله سبحانه لا يخلف وعده ولا يكذب خبره، وقد كان بشر إبراهيم وهاجر بشارات بينات ولم نرها تمت ولا ظهرت إلا بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد بشرت هاجر به مرة واحدة، وبشرت هاجر بإسماعيل مرتين، وبشر به إبراهيم مرارا، ثم ذكر الله سبحانه هاجر بعد وفاتها كالمخاطب لها على السنة الأنبياء، ففي التوراة إن الله تعالى قال لإبراهيم قد أجبت دعاءك في إسماعيل، وباركت عليه، وكبرته، وعظمته هكذا في ترجمة بعض المترجمين. وأما في الترجمة التي ترجمها اثنان وسبعون حبرا من أحبار اليهود فإنه يقول: وسيلد اثني عشر أمة من الأمم وفيها لما هربت هاجر من سارة تراءى لها ملك الله، وقال يا هاجر أمة سارة من أين أقبلت وإلى أين تذهبين؟! قالت هربت من سيدتي، فقال لها الملك ارجعي إلى سيدتك واخضعي لها، فإني سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصون كثرة، وها أنت تحبلين وتلدين ابنا تسميه إسماعيل، لأن الله قد سمع بذلك خشوعك، وهو يكون عين الناس، ويكودن يده فوق الجميع، ويد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع، ويكون مسكنه على تخوم جميع إخوته وفي موضع آخر قصة إسكانها وابنها إسماعيل في برية فاران، وفيها فقال لها الملك يا هاجر ليفرح روعك فقد سمع الله تعالى صوت الصبي، قومي فاحمليه وتمسكي به فإن الله جاعله لأمة عظيمة، وإن الله فتح عليها فإذا ببئر ماء فذهبت وملأت المزادة منه وسقت الصبي منه، وكان الله معها ومع الصبي حتى تربى، وكان مسكنه في برية فاران فهذه أربع بشارات خالصة لأم إسماعيل: نزلت اثنتان منها على إبراهيم، واثنتان على هاجر. وفي التوراة أيضا بشارات أُخر بإسماعيل وولده وأنهم أمة عظيمة جدا، وأن نجوم السماء تحصى ولا يحصون، وهذه البشارة إنما تمت بظهور محمد بن عبد الله وأمته.
فإن بني إسحاق كانوا لم يزالون مطرودين مشردين خولا للفراعنة والقبط حتى أنقذهم الله بنبيه وكليمه موسى بن عمران، وأورثتهم أرض الشام فكانت كرسي مملكتهم، ثم سلبهم ذلك وقطعهم في الأرض أمما مسلوبا عزهم وملكهم: قد أخذتهم سيوف السودان، وعلتهم أعلاج الحمران حتى إذا ظهر النبي صلى الله عليه وسلم تمت تلك النبوات وظهرت تلك البشارات بعد دهر طويل وعلت بنو إسماعيل على من حولهم فهشموهم هشما، وطحنوهم طحنا، وانتشروا في آفاق الدنيا، ومدت الأمم أيديهم إليهم بالذل والخضوع، وعلوهم علو الثريا فيما بين الهند والحبشة والسوس الأقصى وبلاد الترك والصقالبة والخزر، وملكوا ما بين الخافقين وحيث ملتقى أمواج البحرين، وظهر ذكر إبراهيم على ألسنة الأمم، فليس صبي من بعد ظهور النبي صلى الله عليه وسلم ولا امرأة ولا حر ولا عبد ولا ذكر ولا أنثى إلا وهو يعرف إبراهيم وآل إبراهيم.
وأما النصرانية وإن كانت قد ظهرت في أمم كثيرة جليلة فإنه لم يكن لهم في محل إسماعيل وأمه هاجر سلطان ظاهر ولا عز قاهر البتة، ولا صارت أيدي هذه الأمة فوق أيدي الجميع ولا امتدت إليهم أيدي الأمم بالخضوع، وكذلك سائر ما تقدم من البشارات التي تفيد بمجموعها العلم القطعي بأن المراد بها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأمته، فإنه لو لم يقع تأويلها بظهوره صلى الله عليه وسلم لبطلت تلك النبوات؛ ولهذا لما علم الكفار من أهل الكتاب أنه لا يمكن الإيمان بالأنبياء المتقدمين إلا بالإيمان بالنبي الذي بشروا به قالوا نحن في انتظاره ولم يجئ بعد ولما علم بعض الغلاة في كفره وتكذيبه منهم أن هذا النبي في ولد إسماعيل أنكروا أن يكون لإبراهيم ولد اسمه إسماعيل، وأن هذا لم يخلقه الله: ولا يكثر على أمة البهت وإخوان القرود وقتلة الأنبياء مثل ذلك، كما لم يكثر على المثلثة عباد الصليب الذي سبوا رب العالمين أعظم مسبة أن يطعنوا في ديننا وينتقصوا نبينا صلى الله عليه وسلم.

.فصل: (لا يمكنهم أن يثبتوا للمسيح فضيلة ولا نبوة ولا آية ولا معجزة إلا بإقرارهم أن محمدا رسول الله):

ونحن نبين أنهم لا يمكنهم أن يثبتوا للمسيح فضيلة ولا نبوة ولا آية ولا معجزة إلا بإقرارهم أن محمدا رسول الله؛ وإلا فمع تكذيبه لا يمكن أن يثبت للمسيح شيء من ذلك البتة.

.لا يمكنهم أن يثبتوا للمسيح فضيلة ولا نبوة إذا كفروا بمحمد:

.اليهود أساتذة النصارى في قصة الصلب وأخبار المسيح:

فنقول: إذا كفرتم معاشر المثلثة عباد الصليب بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم، فمن أين لكم أن تثبتوا لعيسى فضيلة أو معجزة، ومن نقل غليكم عنه آية أو معجزة؟! فإنكم إنما تبعتم من بعده بنيف على مائتين وعشرات من السنين أخبرتم عن منام رؤى فأسرعتم إلى تصديقه، وكان الأولى لمن كفر بالقرآن أن ينكر وجود عيسى في العالم لأنه لا يقبل قول اليهود فيه، ولا سيما وهم أعظم أعدائه الذين رموه وأمه بالعظائم، فأخبار المسيح والصليب إنما شيوخكم فيها اليهود، وهم فيما بينهم مختلفون في أمره أعظم اختلاف، وأنتم مختلفون معهم في أمره، فاليهود تزعم أنهم حين أخذوه حبسوه في السجن أربعين يوما، وقالوا ما كان لكم أن تحبسوه أكثر من ثلاثة أيام ثم تقتلوه إلا أنه كان يعضده أحد قواد الروم، لأنه كان يداخله في صناعة الطب عندهم.
وفي الأناجيل التي بأيديكم أنه أخذ صبح يوم الجمعة وصلب في الساعة التاسعة من اليوم بعينه فمتى تتوافقون مع اليهود في خبره، واليهود مجمعون أنه لم يظهر له معجزة ولا بدت منه لهم آية غير أنه طار يوما وقد هموا بأخذه فطار على أثره آخر منهم فعلاه في طيرانه فسقط إلى الأرض بزعمهم. وفي الإنجيل الذي بأيديكم في غير موضع ما يشهد أنه لا معجزة له ولا آية!! فمن ذلك أن فيه منصوصا أن اليهود قالوا له يوما ماذا تفعل حتى تنتهي به إلى أمر الله تعالى؟ فقال أمر الله أن تؤمنوا بمن بعثه، فقالوا له: وما آيتك التي ترينا ونؤمن بك وأنت تعلم أن آبائنا قد أكلوا المن والسلوى بالمفاوز؟ قال: إن كان أطعمكم موسى خبزا فأنا أطعمكم خبزا سماويا يريد نعيم الآخرة فلو عرفوا له معجزة ما قالوا ذلك. وفي الإنجيل الذي بأيديكم أن اليهود قالت له: ما آيتك التي نصدقك بها؟ قال: اهدموا البيت أبنيه لكم في ثلاثة أيام فلو كانت اليهود تعرف له آية لم تقل هذا، ولو كان قد أظهر لهم معجزة لذكرهم بها حينئذ.. وفي الإنجيل الذي بأيديكم أيضا أنهم جاءوا يسألونه آية فقذفهم وقال: إن القبيلة الفاجرة الخبيثة تطلب آية فلا تعطى ذلك وفيه أيضا أنهم كانوا يقولون له وهو على الخشبة بظنكم إن كنت المسيح فأنزل نفسك فنؤمن بك يطلبون بذلك آية فلم يفعل فإذا كفرتم معاشر المثلثة عباد الصليب بالقرآن لم يتحقق لعيسى بن مريم آية ولا فضيلة؛ فإن أخباركم عنه وأخبار اليهود لا يلتفت إليها لاختلافكم في شأنه أشد الاختلاف وعدم تيقنكم لجميع أمره. وكذلك اجتمعت اليهود على أنه لم يدع شيئا من الإلهية التي نسبتم إليه أنه ادعاها، وكان أقصى مرادهم أن يدعى فيكون أبلغ في تسلطهم عليه، وقد ذكر السبب في استفاضة ذلك عنه وهو أن أحبارهم وعلماءهم لما مضى وبقى ذكره خافوا أن تصير عامتهم إليه إذ كان على سنن تقبله قلوب الذين لا غرض لهم، فشنعوا عليه أمورا كثيرة، ونسبوا إليه دعوى الإلهية تزهيدا للناس في أمره.